كيف حاول صـ.ـدام حسـين غـ.ـزو هوليوود ؟

في عام 1980 حاول صـ.ـدام حسين رجل العراق القـ.ـوي آنذاك أن يدخل بلاده إلى عالم صناعة الأفلام. وقد أنفق الرئيس العراقي السابق ملايين الدولارات على فيلم ملحمي بعنوان “المسألة الكبرى” وحمل بالانجليزية عنوانا آخر هو “صـ.ـراع الولاءات” تم تصويره بالكامل في العراق، وهو من بطولة بعض الممثلين البريطـ.ـانيين البارزين من بينهم أوليـ.ـفر ريد.

لكن بعد وقت قصير من بدء تصوير الفيلم اندلـ.ـعت الحـ.ـرب بيـ.ـن العراق وإيران. ويتذكر لطيف جريفاني منتج الفيلم البريطاني الجنسية الذي ولد في العراق ما حدث بعد ذلك.
بوليوود على نهر دجلة
قال جريفاني لبي بي سي: “كان صدام حسين متحمساً جداً لجعل العراق مركزاً عالميا للإنتاج السينمائي، وقال له صديقنا في بغداد إن لغة المال هي السبيل لتحقيق ذلك، فكان رد الرئيس العراق السابق أنفق مهما تكـ.ـلف الأمر، فربما كان صدام يعتقد أن بغداد يمكن تصبح ذات يوم بوليـ.ـوود على نهر دجلة”.
وأضاف قائلا: “إن صـ.ـراع الولاءات كان أول فيلم في قائمة ضمت مجموعة أفلام كبيرة كان من المزمع إنتاجها في العراق”.
وأشار إلى أن أحـ.ـداث فيلم صـ.ـراع الولاءات تدور في العراق في عشـ.ـرينيات القرن الماضي عندما لقي ضـ.ـابط بريطـ.ـاني حتـ.ـفه.
ومضى يقول: “أدى دور الشخصية البريطانية الرئيسية في الفيلم أوليفر ريد وجميع أدوار البريطـ.ـانيين أداها ممثلون بريطانيون، في حين أدى كل أدوار العراقيين ممثلون عراقيون”.
وقال لطيف جريفاني إنه بدأ تصوير الفليم في العراق في أوائل عام 1980 وسار الإنتاج على نحو جيد حتى انـ.ـدلعت الحـ.ـرب العراقية الإيرانية.
وتابع قائلا إن زوجتي كانت قلقة جداً وهي تتابع مشاهد الحـ.ـرب في التليفزيون في لندن قائلة: “زوجي هناك أريد عودته”.
وأضاف جريفاني قائلا: “ومن ثم أوقفنا التصوير ولم يكن مطار بغداد متـ.ـاحا بسبب حـ.ـرب الصـ.ـواريخ لذلك أرسلنا الفريق إلى العاصمة الأردنية عمان للسفر جوا من هناك، وكان ذلك يتطلب السفر مسافة طويلة في عربات الأجرة عبر الصحراء”.
ومضى يقول لكن بعد التوقف عدة أسابيع عدنا للتصوير مجدداً، ولكنني أصبت بالإحبـ.ـاط لأنه تم استـ.ـدعاء كل أفراد الطـ.ـاقم العراقيين للحـ.ـرب.
ويقول جريفاني إن الحـ.ـرب لم تكن المشكلة الوحيدة فقد كان أوليفر ريد معـ.ـاقرا للخـ.ـمور من العيار الثقيل، وقد سبب لي سلوك أوليفر صدـ.ـاعا كبيرا، فقد تلقـ.ـيت برقيات من وزراء عراقيين يطلبون فيها استـ.ـبعاده، وقد بذلت جهودا كبيرة للضـ.ـغط على الجميع من أجل استمراره
وانتهى الفيلم أخيرا وعرض في العديد من المهرجانات السينمائية.
ويقول جريفاني إنه من سوء الحظ توقفت مشـ.ـروعات الإنتاج بعد غـ.ـزو العراق للكويت عام 1990 بل وبات من غير المشروع التعامل مع العراق.
ولم يوزع الفيلم أبدا في الغرب، ولم يصنع لطيف فيلما آخر لصدام حسين.
حكاية فيلم
في عام 2016 بثت القناة الرابعة البريطانية الفيلم الوثائقي “صـ.ـدام يذهب إلى هوليوود” الذي تحدث فيه فريق العمل في هذا الفيلم. وقالت صحيفة التلغراف البريطانية إن صدام حسين أشرف بنفسه على إنتاج هذا الفيلم.
إن قصة فيلم “المسألة الكبرى” أو “صراع الولاءات” في نسخته الإنجليزية، هي حكاية غريبة من البداية إلى النهاية.
فبحسب جيمس بولام، أحد أبطال الفيلم “فإنه نسخة صدام من لورنس العرب”.
ولا شك أن وجود أشهر سكير في العالم في دور الممثل الرئيسي أمر سيؤدي إلى حدوث مضـ.ـاعفات، وقد حدث ذلك بالتأكيد لكن التصوير في بغداد والصحراء العراقية واجه مشكلات أكبر من ذلك بكثير
فبعد بضعة أشهر من توقيع العقود وقبل أن يتم تصوير مشهد واحد اندلـ.ـعت الحـ.ـرب العـ.ـراقية الإيرانية التي استمرت لمدة 8 سنوات.
لكن الرئيس العراقي السابق لم يكن ليدع الحـ.ـرب تمنـ.ـع تصوير فيلمه، فقد استثـ.ـمر الملايين في المشروع.
ونتيجة لذلك عندما بدأ التصوير في عام 1981 كان على الممثلين وطاقـ.ـم العمل أن يشـ.ـقوا طريقهم حول حرب حقيقية كانت مستعرة على بعد أميال قليلة فكانت الطائرات المقـ.ـاتلة تطير في سماء موقع التصـ.ـوير في طريقها إلى الجبهة فيما كانت الدبـ.ـابات تتحرك في الشوارع.
ويتذكر المنتـج لطيف جريفاني قائلا: “كان لدي 140 شخصاً في العراق خلال الحـ.ـرب، وقد اعتاد هؤلاء الأشخاص على إنتاج أفلام في شيبرتون وباينوود وهوليوود، وليس التواجد في وسط الصـ.ـواريخ والقنـ.ـابل الحقيقية تنفـ.ـجر في كل مكان”.
وقال ستيفان تشيس، الذي لعب دور ضـ.ـابط في الجيـ.ـش البريطاني في الفيلم، إنه حتى مغـ.ـادرته للعراق لم يكن منتبها إلى حقيقة أن العراق كان في حالة حـ.ـرب.
لكنه أدرك أن الأمور لم تكن طبيعية بينما كان على متـ.ـن الطائرة التي كانت تقلّه هو وريد وأعضاء آخرون من فريق التمثيل إلى العراق.
وقال: “كان هناك الكثير من الخـ.ـمور ولم يكن هناك شيء غير طبيعي ولكن عندما نظـ.ـرنا من النافذة ورأينا أن طائرة مقـ.ـاتلة كانت تـ.ـرافقنا.. فكرت.. إنهم سوف يضـ.ـعون طائرة مقـ.ـاتلة فقط إذا كانوا قلقـ.ـين للغاية من احتمال إسقاطنا، هبطنا في منتصف الليل في ظـ.ـلام دامـ.ـس ومخـ.ـيف”.
تعقيدات أخرى
وفي موقع التصوير، جلبت الحـ.ـرب تعقـ.ـيدات أخرى حيث كان لا بد من إعادة تصـ.ـوير بعض المشاهد بعد اختـ.ـفاء ممثلين محليين فجأة.
وقال روجر ماكدونالد، الذي شارك في تصوير الفيلم: “بدأنا مشهدا مع ممثل عراقي وفي اليوم الثاني أو الثالث اختـ.ـفى فجأة فقد تم استـ.ـدعاؤه الجيـ.ـش”.
وأضاف قائلا: “ثم بعد 3 أو 4 أسابيع تلقينا رسالة تفيد بأن الممـ.ـثل المسكين قد قُـ.ـتل”.
وفي تلك الأثناء كان أوليفر ريد قد سافر إلى العراق مع صديقته البالغة من العمر 17 عاما والتي أصبحت زوجته الثانية، فضلا عن مشكلته مع معاقرة الخـ.ـمر.
ويتذكر ستيفان تشيس كيف كان “أولي” يستلقي في كثير من الأحيان مخـ.ـمورا بجوار حمام سبـ.ـاحة الفندق، أو كيف كان يتدلى من شرفة الفندق أو ببساطة يفتعل مشـ.ـاجرة.
ويتذكر جريفاني قائلا: “ذات يوم كان أولي في المطعم حيث حصل على زجاجة نبـ.ـيذ فارغة وقام بالتـ.ـبول فيها، ثم طلب من النادل إرسال الزجاجة إلى الطاولة المجاورة مرفقة بتحياته، فكيف كانت النتائج؟ طاولة مقلـ.ـوبة ولكمـ.ـات كثيرة، وأمر من الحكومة العراقية بطـ.ـرد ريد وقد تم التراجع عن الأمر لاحقاً”
ويقول أحد زملائه: “كان أولي سـ.ـلاح دمـ.ـار شـ.ـامل”. لكن ريد لم يكن الممثل الوحيد الذي أثـ.ـار المشـ.ـاكل
لقد كان هناك زميله في الفيلم مارك سيندن، نجل الممثل دونالد، الذي كان في أوائل العشرينات من عمره عندما لعب دورا في الفيلم.
فقبل أن يسافر إلى العراق قال إن مسؤولا حكوميا بريطانيا اتصل به وأخبره أن الأجهزة الأمنية ستكون “مهتمة للغاية برؤية صور أجازته”.
فرد على ذلك المسؤول قائلا: “بالطبع، ما نوع الصور التي تهتم بها؟”، فرد المسؤول:”أبراج الاتصالات اللاسلكية، والقصور”.
وقد أدت لقطات سيندن إلى لكـ.ـزة حادة على كـ.ـتفه من قبل رجل أمن، وقضـ.ـى 3 أيام في زنـ.ـزانة مظلـ.ـمة.
ولم يتم الإفـ.ـراج عنه إلا عندما أخبر سجـ.ـانيه كيف كان هو وأولي ريد يتـ.ـناولان العشاء مع الرئيس العراقي قبل 10 أيام فقط.
وعلى ذكر العشاء مع صـ.ـدام حسين، يتذكر سندين عندما شرع صـ.ـدام فجأة في حديث صـ.ـاخب.
ويقول:”لم يكن لدي أي فكرة عن موضوع الحديث لأنه كان يتحدث باللغة العربية، لكنه كان أشبهه بمشاهدة غوبلز، القوة المطـ.ـلقة للخـ.ـطابة التي انجذبنا إليها، ربما كان يطلب المزيد من الطعام، لكننا كنا جميعا مفتونين به”.
ومع ذلك، كان هناك رجل واحد لم يتأثر إنه أوليفر ريد الذي كان يريد العودة إلى فندقه وصـ.ـديقته الشابة.
ويقول سندين: “كان أولي جالسا بجواري ومن الواضح عليه الضـ.ـيق والتـ.ـبرم”.
انتهى العشاء، فقام صـ.ـدام وبعد أن صافح جـ.ـنرالاته اقترب من ريد قائلا بلغة إنجليزية سليمة: “سيد ريد، أتمنى ألا أكون تسـ.ـببت لك بالكثير من الملل”.
ماذا عن الفيلم نفسه؟
الكثير من الدراما خارج الشاشة، لكن ماذا حدث للفيلم في النهاية؟ لقد تم عرضه في العديد من المهرجانات السينمائية لكنه لم يبرم أي اتفاق لتوزيعه.
ومن المحتمل جدا ألا يكون قد شاهده أكثر من بضع مئات من الأشخاص، ثم عندما غـ.ـزا صدام الكويت عام 1990 مـ.ـات أي أمل في توزيعه.
واليوم توجد النسخة الوحيدة المعروفة للفيلم في مرآب جريفاني في منطقة سَري البريطانية.
هل هي جيدة؟ يقول جريفاني: “كان من الممكن أن يكون الأمر كذلك، كان فندق أولي رائعا للغاية، وكان جيمس بولام عظيما، لكن المخرج لم يكن من ذوي الخبرة في تصوير الأفلام وللأسف، كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير”.
وبعد كل هذه السنوات كيف ينظر جريفاني لتجربة صناعة فيلم لصدام حسين؟ يقول جريفاني: “اليوم، وبعد كل هذه السنوات يمكن للمرء أن يجلس ويقول إنه كان هناك قدر كبير من المرح، ولكن في الواقع لم يكن الأمر كذلك”.
وتقول صحيفة التلغراف البريطانية إن الهدف من ذلك الفيلم كان إثارة الشـ.ـعور القومي وربط حـ.ـزب البعـ.ـث العراقي بثورة عام 1920 ضـ.ـد الحكم البريطاني على العراق.
المصدر : (BBC)