close
منوعات

خطبة الجمعة في تركيا مترجمة للغة العربية اليوم 10-12-2021

التَّارِيخُ : 2021.10.12

عنوان الخطبة : المُؤْمِنُ مَأْلَفٌ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!

مَرَّ أَحَدُ الصَّحَابَةِ بِوَادٍ جَميلٍ. فَأَحَبَّ طَعْمَ الْمَاءِ فِي هَذَا الوَادِي. وَكَانَ مُعْجَبًا جِدًّا بِمَناظِرِ الطَّبيعَةِ هُنَاكَ. فَفَكَّرَ بِالِابْتِعَادِ عَنِ النّاسِ والِاسْتِقْرارِ فِي هَذَا الوَادِي. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا يَنْوي فِعْلَهُ. فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الفِعْلِ، وَقَالَ: إِنَّ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَتِفًا بِكَتِفٍ خَيْرٌ مِنْ عِبادَةٍ فِي البَيْتِ لسِنِينَ مُنْفَرِدًا.[1]

الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!

إِنَّ عَيْشَ الإِسْلامِ بِشَكْلٍ صَحيحٍ هوَ الْقِيَامُ بِأَدَاءِ واجِباتِنا تُجاهَ رَبِّنا جَلَّ وَعَلا وَأَخْذَ رِسالاتِ دِينِنَا المَليئَةِ بِالْحَيَاةِ كَدَلِيلٍ فِي عَلَاقَاتِنَا مَعَ النّاسِ. فَلَيْسَ مِنْ الصَّوابِ أَبَدًا الِانْفِصَالُ عَنْ المُجْتَمَعِ والْعَيْشِ بِعُزْلَةٍ عَنْ الآخَرِينَ وَتَفْضيلِ العَيْشِ بِشَكْلٍ فَرْديٍّ وَأَنانيٍّ. هَكَذَا وَإِلَى جانِبِ مَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجاهَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي تَأْديَةِ العِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ والصَّوْمِ والزَّكاةِ والْحَجِّ وَاَلْأَضاحيِّ فَهُنَاكَ أَيْضًا العَديدُ مِنْ الحِكَمِ مِثْلَ التَّعَرُّفِ عَلَى النّاسِ وَالِانْدِمَاجِ والْمُشارَكَةِ وَالتَّضَامُنِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!

فِي العَصْرِ الحَديثِ نَحْنُ وَلِلْأَسَفِ حُبِسْنا فِي دُنْيَانَا. لَقَدْ أَصْبَحْنَا فَرْديّينَ وَمَعْزولينَ. وأَصْبَحْنَا أَنانيّينَ وَغَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى التَّفْكيرِ فِي أَيِّ شَخْصٍ سِوَى أَنْفُسِنا. اِقْتَرَبَتْ بُيوتُنا وَتَبَاعَدَتْ قُلوبَنا. تَضَاءَلَتْ عَلاقاتُ الصَّداقَةِ والصُّحْبَةِ وَعَلاقَاتُنا مَعَ الْجِيرَانِ. لَمْ نَعُدْ نُفْشيِ السَّلَامِ بَيْنَنَا، وَلَمْ نَعُدْ نَسْأَلُ عَنْ أَحْوالِ بَعْضِنا البَعْضِ، وَلَمْ نَعُدْ نَتَبادَلُ الكَلامَ الطَّيِّبَ، وَلَمْ نَعُدْ نَتَبَسَّمُ بِمَحَبَّةٍ فِي وُجوهِ بَعْضِنا البَعْضِ. وَفِي بَعْضِ الأَحْيَانِ نَكُونُ غَافِلِينَ عَنْ مَرَضِ جَارِنَا أَوْ حَتَّى عَنْ وَفاتِهِ.

لَقَدْ مَنَحَنا العَالَمُ الرَّقْميَّ العَدِيدَ مِنْ الإِمْكانيّاتِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَقَدْنَا أَنْفُسَنا بِسَبَبِ إِغْراءَاتِ العالَمِ الِافْتِراضيِّ. فَلَمْ نَسْتَطِعْ الحِفَاظَ عَلَى الأَخْلاقِ الحَمِيدَةِ فِي البِيئَاتِ الرَّقْميَّةِ؛ وَلَمْ نَحْتَرِمْ وَنُراعيَ الحَقَّ والْقانونَ. وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا سُجَناءَ أَجْهِزَةِ الْحَاسُوبِ والْأَجْهِزَةِ اللَّوْحِيَّةِ والْهَواتِفِ الذَّكيَّةِ. كَمَا فَقَدْنَا اَلِاتِّصالَ بِالْحَيَاةِ الواقِعيَّةِ وَأَصْبَحْنَا نَشْعُرُ بِالْوَحْدَةِ وَسَطَ الزِّحامِ. وَأَثْنَاءَ التَّواصُلِ عَبْرَ الإِنْتَرْنِتْ مَعَ أَشْخاصٍ عَلَى الجانِبِ الآخَرِ مِنْ العالَمِ نَسِيْنَا التَّواصُلَ مَعَ عائِلاتِنا وَأَطْفالِنا وَجيرانِنا اَلَّذِينَ نَتَشارَكُ مَعَهُمْ نَفْسَ المَنْزِلِ و نَفْسَ الْبيئَةِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبيِّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ فِي القُرْآنِ: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْۚ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَل۪يظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَۖ…”[2]

فَلْنَقْتَدِي بِأَخْلَاقِ نَبيِّنا اَلَّذِي نَتَشَرَّفُ بِأَنْ نَكُونَ مِنْ أُمَّتِهِ. وَلْنَتَّخِذَ الرَّحْمَةَ والشَّفَقَةَ والتَّضْحيَةَ والْقَناعَةَ والْكَلَامَ الطَّيِّبَ والِابْتِسَامَةَ شِعَارًا لَنَا. وَلِنُقِيمَ عَلاقاتٍ جَيِّدَةٍ مَعَ الأَقارِبِ والْجِيرَانِ وَجَميعِ النّاسِ، بَدْءًا مِنْ عَائِلَتِنا. وَلِنَسْعَى إِلَى السَّلَامِ والسَّعادَةِ لَيْسَ فِي الفَرْديَّةِ والْأَنانيَّةِ، وَلَكِنْ بِرِضَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِدُعاءِ إِخْوانِنا.

وأَخْتِمُ خُطْبَتِي بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ اَلَّذِي وَصَفَ فِيهِ رَسُولُ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْمُؤْمِنَ، فَقَالَ: اَلْمُؤْمِنُ مَأْلَفٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ.[3]


[1] سُنَنُ التِّرْمِذيّ، كِتَابُ فَضَائِلِ الجِهَادِ، 17.

[2] سُورَةُ اٰلِ عِمْرٰنَ،3/159.

[3] مُسْنَدُ بْنُ حَنْبَل، الجُزْءُ الثَّانِي،400.

اَلْمُدِيرِيَّةُ العَامَّةُ لِلْخَدَمَاتِ الدِّينِيَّةِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى