close
هجرة ولجوء

رحلة لاجئ سوري عبر ألمانيا إلى تنزانيا…إبداع وفن ومهارة

عد تغلبه على عناء رحلة اللجوء إلى ألمانيا، اختار ابن مدينة الحسكة السورية، زردشت بدر أن يحط الرحال في إحدى القرى النائية في تنزانيا من أجل تعليم الأطفال هناك الموسيقى والرسم واللغة الإنجليزية. مهاجر نيوز سلط الضوء على رحلة زرداشت من سوريا إلى ألمانيا وتجربة التدريس في تنزانيا.

في قرية كاراو النائية في تنزانيا، شرقي القارة السمراء، يقطع أطفال الماساي من القُرى المجاورة آلاف الأميال سيراً على الأقدام بشكل يومي للوصول إلى المدرسة. بعد رحلة طويلة وخطيرة عادة ما يصل هؤلاء الطلبة إلى الفصل بعد إنتهاء الحصة الدراسية أو لا يحضرون على الإطلاق. لكنهم اليوم يتحمسون للقدوم إلى المدرسة وبالأخص إلى حضور حصة تعلم اللغة الإنجليزية والموسيقى مع معلمهم الجديد، ابن مدينة الحسكة الواقعة شمالي شرق سوريا، زردشت بدر.

التغلب على عناء اللجوء

غادر الموسيقي والفنان التشكيلي زردشت بدر، 25 عاماً سوريا عام 2012 مع عائلته في عمر السادسة عشرة بسبب ملاحقة النظام السوري له ولعائلته وتحديداً لوالده، فيصل بدر المحامي و الناشط الحقوقي السياسي إلى إقليم كردستان العراق.

بعدها اضطر زردشت إلى هجرة أخرى من إقليم كردستان العراق إلى ألمانيا منذ أواخر عام 2013. هجرته إلى ألمانيا شكلت تحدياً كبيراً له، كما روى زردشت في بداية حديثه لـ”مهاجر نيوز“، “وصلت وأنا في سن المراهقة إلى بلد جديد و دخلت في صراع مرير مع تعلم اللغة الألمانية. تعلمتها وأتقنتها خلال عام بعد عدة دورات مكثفة وبعدها بدأت بالدراسة في الثانوية العامة Gymnasium وتجاوزت كل عناء السنوات التي حرمتني من دراستي واضطررت لإعادة أربع سنوات من الصفوف التي كنت قد درستها في سوريا وتمكنت من اجتياز الثانوية العامة في ألمانيا ونيل شهادة Abitur.“

في الوقت الحالي يتابع الشاب الكردي السوري، زردشت بدر دراسته في تخصص تدريب المعلمين في ألمانيا، و المعروف بـ Lehramtsstudium في مادتي الإنجليزية و الفنون الجميلة في جامعة لايبزيغ، كي يصبح معلماً في المستقبل. بالإضافة إلى هذا فهو عازف على آلتي البزق و العود وآلات موسيقية أخرى ويمارس الرسم والنحت في نطاق دراسته في كلية الفنون الجميلة.

رحلة التطوع في تنزانيا

من خلال والد صديقته تعرف زردشت على المنظمة الخيرية (Supai e.V.)، التي تساهم في تطوير ومساعدة مجتمعات الماساي في تنزانيا و تعمل المنظمة بالتعاون مع جامعة فريدنسو السبتية والكنيسة السبتية في تنزانيا. هذا العام انضم زردشت إلى فريق من المتطوعين الذين حطوا الرحال بإحدى القرى النائية في تنزانيا في إطار مشروع خيري يساهم بشكل مستدام في نمو القرية وتطورها و مساعدة شعوب الماساي للإستقرار في مجتمعهم المحلي وتعليم أطفالهم.

يساهم اللاجيء السوري الكردي من خلال تخصصه التروبوي في دراسته الجامعية في تطوير مجال التدريس بالمدرسة، بصفته معلم يعلم الطلبة في هذه المدرسة مادة اللغة الإنجليزية و مادة الموسيقى والفنون الجميلة.

التدريس في قرية كاراو

بحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة الخيرية (Supai e.V.)، فإن أكبر مشكلة تواجه أهالي قرية كاراو هي الحصول على المياه. إضافة إلى شحَّ المياه، يضطر الأطفال، خاصة من القرى المجاورة إلى قطع آلاف الأميال سيراً على الأقدام للوصول إلى مدرستهم.

المشروع الذي انضم إلى فريقه زردشت هذا العام، بدأ في عام 2012 بدعم من بعض الشركاء الدوليين، وقد تم بناء مدرسة ابتدائية في القرية. تضم المدرسة اليوم حوالي 170 طالب وطالبة، والعدد آخذ في الإزدياد. في البداية كان هناك فصلين دراسيين فقط في القرية، واليوم أصبحت هناك سبعة فصول ويتم إضافة فصل جديد كل عام.

سبب خوض زردشت هذه التجربة هو بدافع إنساني بالدرجة الأولى وعمله خيري تطوعي لإسعاد الآخرين، كما يقول “شعوب الماساي تحتاج للتطور التربوي والإجتماعي بشكل كبير، فهم بنفسهم ينادون المسؤولين عن المنظمات من أجل بناء مدارس ومراكز تربوية لأطفالهم لأنهم بعيدون جداً من حيث المكان والعادات والتقاليد من المدن الكبيرة ويعيشون غالباً في مناطق نائية“.أضاف المعلم الكردي السوري أنه سعيد للمساهمة في هذا التطور وأن يكون سبباً من الأسباب في سعادتهم ونجاح أطفالهم من خلال تدريسيهم، ” تزامن تواجدنا مع وقت التحضيرات لشهادة الصف السابع والتي تعتبر من أول الشهادات المهمة في النظام المدرسي في تنزانيا. ساعدتهم قليلاً في تحضيرهم للإمتحانات وتمرنوا معي على العديد من النقاط المهمة للامتحانات النهائية“.

كل يوم يجد زردشت أطفال القرية بانتظاره من أمام المدرسة من أجل بدء حصة الموسيقى معهم، كما وصف المشهد لـ “مهاجر نيوز“.“ هم سعيدون ومتحمسون جداً لهذهِ التجربة. كل يوم يستقبلونني في مجموعات بحرارة وابتسامات“. وتابع حديثه:“ في وقت الإستراحة أراهم في الخارج يغنون المقطوعة الموسيقية التي أُعلمهم في حصة الموسيقى مع آلة “Ukulele“ التي تشبه في شكلها الخارجي آلة الغيتار لكن بحجم أصغر ويرفعون صوتهم عالياً وينظرون نحوي كي أُلاحظ تقدمهم وسرعة تعلمهم“.

في البداية واجه زردشت صعوبة في التواصل مع أطفال القرية بسبب خجلهم وضعف الثقة بالنفس عند التحدث باللغة الإنجليزية، كما يقول:“ لكن مع مرور الوقت تحسنت لغتهم وبُنيت بيننا ثقة وتواصلنا بشكل أسهل عن بداية تعارفنا“. في أغلب الأحيان يرافقه معلم تنزاني من هذه المدرسة ويساعده في الترجمة و التواصل مع الطلبة خلال الحصص التعليمية. من خلال مقطع صوتي حصل عليه موقع “مهاجر نيوز”، نقل من خلاله زردشت للموقع آراء الأطفال بعد خوضهم هذه التجربة.

بكل براءة عبر الطفل أولتوسوي عن حبه للتعلم والموسيقى وبالأخص مع معلمه، “زادي”، كما يفضلون مناداته وأضاف أن أكثر ما يتمناه هو تعلم المزيد من الموسيقي وأن لا يرحل عنهم معلمهم زردشت”.أما الطالبة توتايو، 13 عاماً، تقول أنها سعيدة ومتحمسة لهذه التجربة وتأمل لو كان هناك المزيد من الفصول الدراسية والمعلمين“. وتضيف” أن المعلم كان جيداً معهم و لم تواجههم أي مشكلة“. ترغب الطالبة في أن “يمرنهم معلمهم على عزف المزيد من المقطوعات الموسيقية وكذلك أن يبقى بجوارهم من أجل تدرسيهم“. يعدها زردشت أنه سيعود من أجل تدريسهم العام القادم ومعه المزيد من الآلات والمقطوعات الموسيقية“.

من جانبه لمس زردشت تقدماً وتطوراً سريعاً لدى الأطفال في التعلم:”الكثير منهم موهوبون جداً ولديهم إمكانيات كبيرة لو كان لديهم الأدوات الكافية لممارسة هوايات متعددة في المجال الرياضي، الموسيقي، اللغوي، الفني وحتى في علوم الرياضيات“.

عند سؤاله عن ما أضافت له هذه التجربة وماذا تعلم منها، أجاب الشاب الكردي السوري أنه تعرف من خلال هذهِ الرحلة على القيمة الإنسانية في تقديم المساعدة لأشخاص يحتاجون بشدة إلى مساعدات كثيرة و على جميع الأصعدة.”هذه القبائل بالتحديد تناشد المنظمات الخيرية باستمرار من أجل مساعدتهم وتأمين العديد من سبل الحياة. تعلمت أيضاً بأن هكذا نوع من المساعدة قيم جداً ويعتبر إشارة بالنسبة لي عن وجود أمل في الحياة من خلال تطوع هؤلاء الأشخاص ومن ضمنهم أنا من أجل تحسين وتسهيل سبل الحياة لهذهِ المجموعة من الشعوب التي تُعتبر كأقلية في تنزانيا وكينيا ويجب الحفاظ على استمراريتهم في الحياة“.

يرى زردشت في هذه التجربة فرصة من أجل بدء مشاريع خيرية مماثلة في سوريا في المستقبل.“ خوض هذه التجربة يمهدني أيضاً للمستقبل وبدء مشاريع مماثلة في سوريا وبالأخص في مسقط رأسي مدينة الحسكة في المنطقة الكردية وما حولها. لأن مرحلة ما بعد الحرب ستكون أهم مرحلة في تقرير مصير هذه البلاد وبلادنا وأطفالها تحتاجنا آنذاك. فأريد أيضاً من خلال تجربتي في أفريقيا أن أحصل على خبرات محددة وتطبيقها لاحقاً في مشاريع مستقبلية في سوريا“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى