close
منوعات

خطة النبي التي تستخدم ليومنا.. يوم اجتمع الجمعان.. قصة أول وأكبر معـ.ـركة فاصلة في التاريخ

يوم اجتمع الجمعان.. قصة أول وأكبر معـ.ـركة فاصلة في التاريخ

هـ.ـاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المُنوّرة، وبدأ بإنشاء دولـ.ـته، فحـ.ـرص على تحقـ.ـيق ما يضمن الاستقرار نوعاً ما من معاهـ.ـدات أبرمها مع بعض القـ.ـبائل المحيطة بالمدينة، إلّا أنّ ذلك لم يضـ.ـمن الاستقـ.ـرار الكافي للمسـ.ـلمين، سواء داخل المدينة، أو خارجها؛ فاليهـ.ـود وبعض المشـ.ـركين يعيـ.ـشون بينهم، وعلاقة قريش بالقـ.ـبائل المجاورة قـ.ـويّة، كما أنّ القـ.ـتال كان لا يزال ممـ.ـنوعاً على المسلـ.ـمين، ومنهـ.ـاجهم الإعـ.ـراض عن المشـ.ـركين، فنزل قوله تعالى:

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـ.ـاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُـ.ـلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْـ.ـرِهِمْ لَقَـ.ـدِيرٌ)، ثمّ تغيّر الوضع من كفٍّ وإعراضٍ عن المشـ.ـركين إلى السماح بقـ.ـتالهم؛ فبدأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالإعداد التربوي، والنفـ.ـسي لأصحابه بأنّ قـ.ـتالهم لا يكون إلّا في سـ.ـبيل الله -عزّ وجلّ-؛ لتظلّ روح الجـ.ـهاد عالية،

ورأى أنّ مهـ.ـاجمة قوافل قريش المُتّجِـ.ـهة إلى الشام هو الحلّ الأنسب للقـ.ـوّة الإسلاميّة من حيث العـ.ـدد والعُدّة، وضمان الرجوع السريع إلى المدينة؛ نظراً لأنّ هذه القـ.ـوافل تَمُرّ بالقُرب منها.

أحداث غـ.ـزوة

بدات المشـ.ـاورة وتنظيـ.ـم الجـ.ـيش الإسـ.ـلامي سمع رسول الله باقتراب قـ.ـافلة قريش العائدة من الشام ويرأسها أبو سفيان، فقرّر مهاجـ.ـمتها؛ إذ إنّ هذه القافلة كانت مُحـ.ـمَّلة بأمـ.ـوالٍ لقريش، وخرج مع ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، وكان معهم من البعير والخيل سبعون بعيراً، وفَرَسان؛ فالأوّل للزبير،

والثاني للمقداد بن الأسود، آخذين بعين الاعتبار أنّ ذلك سيكون ضـ.ـربة لاقتصـ.ـاد قريش؛ حيث لم يكن يحـ.ـمي القافلة سوى أربعون رجلاً، أو نحو ذلك وقد عقـ.ـد النبي -صلى الله عليه وسلم- مجلساً للشـ.ـورى مع صحابته الكرام ليستشـ.ـيرهم بالخروج لاعتـ.ـراض عير أبي سفيان، فقام أبو بكر -رضي الله عنه- موافقاً ومؤيّداً ذلك،

وقام بعده عمر بن الخطاب والمقداد بن عمرو -رضي الله عنهم- مؤكّدين على الموافقة، حتى قال المقداد بن عمرو كلاماً رائعاً: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَ.بُّكَ فَقَـ.ـاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِـ.ـدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَـ.ـاتِلاَ إِنَّا مَعَكُـ.ـمَا مُقَـ.ـاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَـ.ـقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِـ.ـمَادِ لَجَـ.ـالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْـ.ـلُغَهُ”.

ولا زال النبي يتشيرهم حتى قام سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وقال كلاماً بليغاً، ومن كلامه المشهور: “لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ … فَوالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَـ.ـقِّ، لَوِ اسْـ.ـتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُـ.ـضْتَهُ لَخُضْـ.ـنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ … فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ”،

وعنـ.ـدئذٍ قام -صلى الله عليه وسلم- مبشّراً أصحابه ورافعاً لعـ.ـزائمهم،[٦] ولِكونه -صلّى الله عليه وسلّم- القـ.ـائد الأعلى للجـ.ـيش الإسـ.ـلامي، اهتمّ بالاستـ.ـعداد للمواجـ.ـهة؛ وذلك بتنظـ.ـيم الجيـ.ـش،

وإرسال العـ.ـيون؛ لاستطـ.ـلاع الأخبار، ثمّ توزيع المَهـ.ـامّ على أصحابه على النحو الآتي:

استخلف ابنَ أم مكتوم على المدينة، وعلى الصلاة بداية، ثمّ أعاد أبا لبابة بن المنذر إلى المدينة، واستخلـ.ـفه عليها عندما وصل إلى الروحاء. عَيّن مصعبَ بن عُمير قـ.ـائداً للواء المسلـ.ـمين، وكانت راية اللواء بيضاء اللون.

قـ.ـسّم جيـ.ـشَه إلى كتيبتَين: مهـ.ـاجرين، وأنصار، وكلّف عليّاً بن أبي طالب بحمل علم المـ.ـهاجرين، وسعداً بن معاذ بحمل علم الأنـ.ـصار. عَيّن الزبيرَ بن العـ.ـوّام قائـ.ـداً لمـ.ـيمنة الجـ.ـيش، والمقدادَ قائداً لميـ.ـسرته.

تحرُّك الجيـ.ـش الإسـ.ـلاميّ بدأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالم،ـ.ـسير مع جيـ.ـشه على الطريق الرئيسيّ المُؤدّي إلى مكّة المُكرّمة، ثمّ انحـ.ـرف إلى اليمين باتِّجاه منطقة النازية؛ قاصداً مياه بدر، وقبل وصـ.ـوله إليها، في منطقة الصفراء بَعث بسبس بن عمرو الجهـ.ـنيّ، وعديّ بن أبي الزغباء الجهـ.ـنيّ إلى بدر يتحسّـ.ـسان أخبار القافلة،

ووصلت الأخبار إلى أبي سفيان بأنّ رسول الله خرج مع أصحابه؛ للإيقاع بالقافلة، فبعـ.ـث ضمضم بن عمرو إلى مكة يستصـ.ـرخ أهلها؛ لحـ.ـماية القافلة،[٥] إلّا أنّ أبا سفيان لم ينتظر وصول المَدد من أهل مكة،

بل بذل أقصى ما لديه من دهاء وحنكة؛ للهروب من جيش الرسول -عليه السلام-؛ فعندما اقتربت قافلته من بدر سَبَقها، ولَقِيَ مجدي بن عمر وعَلِم منه بمرور راكبين بالقُرب من بدر، فسارع أبو سفيان بأخذ بعض فضـ.ـلات بعيـ.ـرَيهما،

ووجد فيها نوى التمر، فعَلِم أنّ جيـ.ـش النبيّ قريب من بدر؛ لأنّه علـ.ـف أهل المدينة، ممّا جعله يسارع إلى القافلة مُغيِّراً اتّجاهها تاركاً بدراً يساره، فنـ.ـجت القافلة.

استـ.ـعداد المشـ.ـركين للغـ.ـزوة
سمع أهل مكّة بما جاء به رسول أبي سفيان ضمضم، وسرعان ما تجـ.ـهّزوا، وخرجوا إليه في ما يُقارب الأَلْف مقـ.ـاتل، منهم ستمـ.ـئة يلبـ.ـسون الدروع، أمّا البعير والخيـ.ـل فكان معهم منها سبعـ.ـمئة بعير، ومـ.ـئة فرس، بالإضافة إلى القِيـ.ـان معهم يُغنِّين بذَمّ المـ.ـسلمين،

وعلى الرغم من أنّ أبا سفيان أرسل إليـ.ـهم خبر نجـ.ـاة القـ.ـافلة، وأخبرهم بالرجوع، إلّا أنّ أبا جهـ.ـل رفـ.ـض الرجـ.ـوع، وعـ.ـزم على المسير بالجيـ.ـش إلى أن يصل بدراً، فيقـ.ـيمون هناك ثلاثة أيام يأكلون، ويشـ.ـربون، ويُغـ.ـنّون؛ حتى تسمع بهم قبائل العرب جميعها؛ بهـ.ـدف فـ.ـرض السيـ.ـطرة والهَـ.ـيبة لـ.ـقريش، وتدعـ.ـيم مكانتها.

التطوُّر المُفاجئ في الأحداث
عَلم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بخبر تغيير القافلة مسارَها، وأنّ جـ.ـيش مكّة خرج وواصل مسـ.ـيره بالرغـ.ـم من نجاة قافـ.ـلتهم، ورأى أنّ الرجـ.ـوع يَدعـ.ـم المكـ.ـانة العسـ.ـكريّة لقـ.ـريش في المنطقة، ويُضعِف كلمة المـسـ.ـلمين، وليس هناك ما يَمنع المشـ.ـركين من مواصلة مسـ.ـيرهم إلى المدينة وغَـ.ـزو المسـ.ـلمين فيها، فسارع إلى عقد مجـ.ـلس عسـ.ـكريّ طـ.ـارئ مع أصحابه، وبيّن لهم خطـ.ـورة المَوقف؛

إذ إنّهم مُقدِمون على أمر لم يستعـ.ـدّوا له كامل الاستعداد؛ حيث كانوا قد خرجوا لأمر بسيط، ولكنّهم وُضِعوا في موقفٍ صـ.ـعب،

فلم يكن من المسـ.ـلمين؛ مهـ.ـاجرين، وأنصـ.ـار إلّا أن وقفوا وِقـ.ـفة رجل واحد إلى جانب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فقال لهم مُبَشّراً: (سيـ.ـروا على بركةِ اللهِ وأبشـ.ـروا، فإنَّ اللهَ قد وعدني إحدَى الطَّـ.ـائفتين، واللهِ لكأنِّي الآن أنظرُ إلى مصـ.ـارعِ القـ.ـومِ).

خُـ.ـطّة المسلـ.ـمين في الغـ.ـزوة أراد رسـ.ـول الله أن يصل أوّلاً إلى مياه بدر؛ ليمـ.ـنعَ المشـ.ـركين من الاسـ.ـتيلاء عليها، وبعد أن اقترب من أدنى ماء من بدر، نزل بها، وكان قد علم الحبّاب بن منذر من رسول الله أنّ المَنزل الذي نزله الجيـ.ـش هو من باب الحـ.ـرب، وليس أمراً من الله لا يُمكن تجاوزه،

فأشار عليه بخُطّة مُحكَـ.ـمة مَفادها أن ينزل الجيـ.ـش بأدنى ماء من المشـ.ـركين، ويُبنى عليه حـ.ـوض يُملَأ بالمـ.ـاء ليشرب المسـ.ـلمون منه دون المشـ.ـركين، فأخذ رسول الله بمشـ.ـورته،

ونزل الجيـ.ـش الإسلاميّ المَنزل الذي أشار إليه الحبّاب بن منذر، وتَحسُّـ.ـباً للطوارئ اقترح سعد بن معاذ بناءَ مَقرٍّ للقـ.ـيادة؛ بهـ.ـدف الحفاظ على حـ.ـياة الرسول برجـ.ـوعه إلى أصحابه في المدينة فيما لو هُـ.ـزِم المسـ.ـلمون، ونال اقتـ.ـراحه التأييد والثناء من رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فتَمّ بناؤه على تَلٍّ مُرتفع يُطِلّ على سـ.ـاحة المعـ.ـركة، وتَكفّل سعد بن معاذ مع شباب من الأنصار بحـ.ـمايته.

نزول المطر
بات المسلـ.ـمون ليلتهم وقد امتلأت قلوبهم بالثقة، والاستبشار بعطـ.ـاء الله، وكان رسول الله مُتـ.ـفَقِّداً لأصحابه، ومُنظِّـ.ـماً لصفـ.ـوفهم، ومُذكِّراً لهم بالله، واليوم الآخر، ومُتضـ.ـرِّعاً لله -جـ.ـلّ جلاله- يدعوه بقوله:

(اللهمَّ أين ما وعَـ.ـدتَني؟ اللهمَّ أنجِـ.ـزْ ما وعَدتَني، اللهمَّ إنْ تَهـ.ـلِكْ هذه العِـ.ـصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ فلا تُعبَـ.ـدُ في الأرضِ أبدًا)،[١٣] فأنزل الله تلك اللـ.ـيلة مطراً خفـ.ـيفاً يُثبِّت به القلوب، ويُطـ.ـهّرها من وساوس الشيطان، ويُثبّت به الأقـ.ـدام؛ حيث إنّ الرمل تمـ.ـاسك، وتلبّد بمـ.ـاء المـ.ـطر، فسَهُل المسير عليه؛ فقد قال الله تعالى: (إِذ يُغَـ.ـشّيكُمُ النُّعـ.ـاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّـ.ـرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجـ.ـزَ الشَّيطانِ وَلِيَربِطَ عَلى قُلـ.ـوبِكُم وَيُثَـ.ـبِّتَ بِهِ الأَقدامَ).

 التقاء الجمـ.ـعان
كان اليوم السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهـ.ـجرة هو اليوم الذي التقى فيه الجيـ.ـشان،[١٦] وبدأ المشـ.ـركون بالهجـ.ـوم عن طريق الأسود بن عبدالأسد الذي حلف أن يـ.ـشرب من حـ.ـوض المسلـ.ـمين، فإن لم يتمكّن من ذلك هَـ.ـدَمه، فتصـ.ـدّى له حمزة بن عبدالمطلب حتى قـ.ـتله، واشتـ.ـعلت نـ.ـار المعـ.ـركة، فخرج ثلاثة من أفضـ.ـل فرسان قريش،

وهم: عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة يطلبون المبـ.ـارزة، فخـ.ـرج لهم ثلاثة من الأنصار، إلّا أنّ فرسان قريش طلبوا من رسول الله فُرساناً من بني عمّـ.ـهم لمُبـ.ـارزتهم،

فأخرج لهم رسول الله عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبدالمُطّلب، وعليّاً بن أبي طالب، وقِيل إنّ رسول الله هو من أرجع الأنصار؛ حتى تكون عشـ.ـيرته أوّل من يواجه العـ.ـدو، فبدأ النـ.ـزال، وسرعان ما انهـ.ـزم فرسان قريش.

ذروة القـ.ـتال
بَلغ الغـ.ـضب أَوجَـ.ـه لدى المـشـ.ـركين لهذه البداية المُحبِطة؛ إذ فقدوا ثلاثة من أفضل فرسانهم، فهجـ.ـموا هجـ.ـمة رجل واحد على المسـ.ـلمين، مُتّبِعـ.ـين أسلوب الكَـ.ـرّ والفَـ.ـرّ في قتـ.ـالهم؛ وهو أسلوب يتمثّل بهجـ.ـوم جميع المقـ.ـاتلين؛

مشاة، وفرسان، ونشّابة بالسيـ.ـوف، والرمـ.ـاح على العـ.ـدو، فإن صمد العـ.ـدو فرّوا؛ لِيُعيـ.ـدوا تنظـ.ـيمهم، ثمّ يعـ.ـودوا ثانية إلى القـ.ـتال، وهكذا إلى أن يَظـ.ـفروا بالنـ.ـصر، أو تلحق بهـ.ـم الهـ.ـزيمة، أمّا المسلـ.ـمون، فقد قـ.ـاتلوا بأسلوب مُخـ.ـتلف تماماً؛

حيث اهتمّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بترتيب المقـ.ـاتلين صفـ.ـوفاً؛ فجعل الصفـ.ـوف الأمامية تُقـ.ـاتل بالرمـ.ـاح؛ لمواجـ.ـهة فرسان العـ.ـدو، أمّا بقـ.ـيّة الصفوف فقد كانت ترمـ.ـي العـ.ـدوّ بالنِّبال،

مع رباط الصفـ.ـوف جميعها في مواقعها حتى يَفقِد المشـ.ـركين الزخـ.ـم في عددهم، فتتـ.ـقدّم الصفوف كلّها مُهاجـ.ـمةً العـ.ـدوَّ، وبذلك يكون رسول الله قد اتّـ.ـع أسلوباً جديداً في القتـ.ـال يَصلح للدفـ.ـاع والهـ.ـجوم في آنٍ واحد، الأمر الذي مكّنـ.ـه من إدارة قـ.ـوّة جـ.ـيشه، وتأمين قـ.ـوّة احتياطية للطـ.ـوارئ، على خِـ.ـلاف أسلوب الكَـ.ـرّ والفَرّ.

نزول الملائـ.ـكة
تابع المسـ.ـلمون قـ.ـتالهم بحماس وشـ.ـجاعة، واستمرَّ رسول الله بحَثِّهم وتشجـ.ـيعهم على القـ.ـتال؛ فالموقف صعب، ولا بُدّ من الاستمرار برَفْع المعـ.ـنويّات، فكان يُحفّـ.ـزهم بقوله: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُـ.ـهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ)،[١٩][٢٠] وواصل التّضـ.ـرع لله والدعـ.ـاء للمسـ.لمين حتى أوحى الله إليه:

(إِذ تَستَغيثونَ رَ.بَّكُم فَاسـ.ـتَجابَ لَكُم أَنّي مُمِـ.ـدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ)[٢١]، وأمر الله ملائكته بقوله: (أَنّي مَعَكُـ.ـم فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَـ.ـنوا سَأُلـ.ـقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَـ.ـرُوا الرُّعـ.ـبَ فَاضـ.ـرِبوا فَوقَ الأَعـ.ـناقِ وَاضـ.ـرِبوا مِنهُم كُلَّ بَنانٍ)،

فكان المَدد من الله أعداداً من الملائكة، وليس مَلَكـ.ـاً واحداً على الرغم من كفايته؛ وذلك بشـ.ـارة للمسلـ.ـمين؛ إذ قال -تعالى-: (وَما جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلّا بُشـ.ـرى وَلِتَطـ.ـمَئِنَّ بِهِ قُـ.ـلوبُكُم)،[٢٤][٢٥] ولم يَتوقّف دور النبيّ على التشـ.ـجيع، والدعـ.ـاء فقط، بل قـ.ـاتل مع أصحابه؛ حيث كان يهـ.ـاجم العـ.ـدوّ وهو يقول: (سَيُـ.ـهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُـ.ـرَ)،

وأخذ حفنة من التراب، وألقـ.ـاها على المشركين، فلم يَسـ.ـلَم أحد من تلك الحفـ.ـنة إلّا وقد أصابت عيـ.ـنه وفمه، وقد قال -تعالى-: (وَما رَمَيـ.ـتَ إِذ رَمَـ.ـيتَ وَلـكِنَّ اللَّـهَ رَمى)،

وشارفت المعـ.ـركة على النهاية إذ تزعـ.ـزت صـ.ـفوف المشـ.ـركين واضـ.ـطربت وبدأوا بالانسحـ.ـاب والفـ.ـرار وأخذ المسـ.ـلمون بالقتـ.ـل والأسر حتى ألحقـ.ـوا الهـ.ـزيمة الفـ.ـادحة بالمشـ.ـركين.

أسـ.ـباب غزوة بدر
قال الله -تعالى-: (كُتِـ.ـبَ عَلَيْكُمُ الْقِـ.ـتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)،[٢٩] فعـ.ـامّة الناس يكـ.ـرهون القـ.ـتال،[٣٠] وقد يكون القـ.ـتال أحياناً الفـ.ـاصل بين طرفَين يُدافِـ.ـع كلٌّ منهما عن قضـ.ـاياه، ومعتـ.ـقداته، ومعـ.ـركة بدر كغيرها من المعـ.ـارك لها عدّة أسباب يمكن إجمالها في ما يأتي:

إعلاء الحـ.ـقّ الذي جاء به رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ودَحـ.ـر الباطل الذي تتمـ.ـسّك به قريش، وتُدافـ.ـع عنه.

القـ.ـضاء على الخطـ.ـر المُحدِق بتجارة المسـ.ـلمين، وحـ.ـياتهم، والمتـ.ـمثّل بمرور قوافل قـ.ـريش المُتّجِـ.ـهة إلى الشام بالقُـ.ـرب من المدينة.

الغـ.ـضب الذي اسـ.ـتولى على مُشركي قريش بخـ.ـروج النبيّ مع سريّته المُتّـ.ـجِهة إلى منطقة نخلة التي تقع بين مكّة والطائف.

رغبة المسـ.ـلمين في استـ.ـعادة الممـ.ـتلكات المسـ.ـلوبة منهم، وإضعاف القـ.ـوّة الاقتصـ.ـاديّة لقريش.

نتائج غـ.ـزوة بدر
انتصار المسلمين انتهت الغـ.ـزوة بالنصر المُـ.ـؤزَّر للمسـ.ـلمين، والهزيـ.ـمة السـ.ـاحقة للمشـ.ـركين، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَـ.ـرَكُمُ اللَّـهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُـ.ـوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تَشْـ.ـكُرُونَ)،

وقد سمّى الله يوم بدر بيوم الفـ.ـرقان، وذلك في قوله: (يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَى الجَـ.ـمعانِ)؛[٣٤] لأنّه فرّق فيه بين الحـ.ـقّ واالباطل.

 الغـ.ـنائم
أقام رسول الله في بدر ثلاثة أيّام بعد انتهاء المعـ.ـركة؛ وذلك لدفـ.ـن الشـ.ـهداء، والقـ.ـضاء على أيّة محاولة يُمكن أن تـ.ـصدر عن المُنهَـ.ـزِمين، وليأخذ الجـ.ـيش مقداراً كافياً من الراحة، إلى جانب جمع الغنـ.ـائم،[٣٦] وقبل الرحـ.ـيل من أرض المـ.ـعـ.ـركة كان المسلـ.ـمون قد جمعوا الكثير من الغنـ.ـائم، ولم يكن الـشـ.ـرع قد بيّن حُكـ.ـمها بعد، فأمرهم رسول الله بإعادة ما تمّ جَمـ.ـعه منها،

ثمّ نزل قوله -تعالى-: (يَسأَلونَكَ عَنِ الأَنفالِ قُلِ الأَنفالُ لِلَّـهِ وَالرَّسـ.ـولِ فَاتَّقُـ.ـوا اللَّـهَ وَأَصلِـ.ـحوا ذاتَ بَينِكُم وَأَطـ.ـيعُوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِـ.ـنينَ)،[٣٧] ثمّ أنزل -تعالى- كيفيّة تقسـ.ـيمها في قوله: (وَاـعـ.ـلَموا أَنَّما غَنِـ.ـمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُـ.ـمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُـ.ـربى وَاليَتـ.ـامى وَالمَسـ.ـاكينِ وَابنِ السَّبيلِ إِن كُنتُم آمَنـ.ـتُم بِاللَّـهِ)،

فقسّـ.ـمها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على المسلمين بالتساوي بعد أخذ خُـ.ـمسها.

الأسـ.ـرى
تحرّك رسول الله بجـ.ـيشه نحو المدينة ومعه الأسـ.ـرى من المشـ.ـركين، وقد بلغ عددهم سبعـ.ـين رجلاً،

قُـ.ـتِل منهم اثنان مّمن عُرِفوا بأذيّتهم الشـ.ـديدة للمسلـ.ـمين، وهما: النضر بن الحارث الذي كان حاملاً للواء المشـ.ـركين في المعـ.ـركة، وعقبة بن أبي معيط الذي حاول من قَبل خَنـ.ـق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بردائه.

وعندما وصل رسول الله إلى المدينة، استشار أصحابه في قضيّة الأسرى، فرأى أبو بكر -رضي الله عنه- أخذ الفدية منهم، ورأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الحـ.ـزم وقَتـ.ـلهم؛ لأنّ إيذاءهم كان شـ.ـديداً للمسـ.ـلمين، وقد أخذ رسول الله بمشورة أبي بكر بأخذ الفـ.ـدية منهم.

أمّا كيفية الفـ.ـداء فكانت بأخذ ألف إلى أربعة آلاف درهم عن الأسـ.ـير، فإن لم يجد ما يفـ.ـدي به نفسه، علّم الكتابة لعشرةٍ من مُست.ـلِمي المدينة، وقد مَنّ رسول الله على عدد من الأسـ.ـرى بإطلاق سـ.ـراحهم دون الفـ.ـداء، منهم:

المطلب بن حنطب، وأبو العاص زوج ابنته زينب، والذي اشتـ.ـرط عليه تركها مقابل ذلك.

شهـ.ـداء المسلمين وقتـ.ـلى المشركين كان عدد المسـ.ـلمين الذين استُشـ.ـهِدوا في المعـ.ـركة أربعة عشر رجلاً؛ ستّـ.ـة من المهـ.ـاجرين، وثمانية من الأنصار،

أمّا قـ.ـتلى المشركين فقد بلغ عددهم سبـ.ـعين رجلاً معظمهم من قـ.ـادة قـ.ـريش،[٤٢] وكان أبو جـ.ـهل واحداً منهم، فقد قـ.ـتله شابّان من الأنصار، هما: معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، إذ أصرّا على قـ.ـتله؛ لأنّهما سمعا أنّه كان يَسـ.ـبّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام-،

وكان ممّن قُتِـ.ـل من قـ.ـادة قريش أيضاً أميّة بن خـ.ـلف الذي قتـ.ـله بلال بن رباح؛ لما عـ.ـاناه من أشدّ أنواع العـ.ـذاب، وأقساه في مكّة على يديه، قال -تعالى-:

(قاتِـ.ـلوهُم يُعَـ.ـذِّبهُمُ اللَّـهُ بِأَيـ.ـديكُم وَيُخـ.ـزِهِم وَيَنصُـ.ـركُم عَلَيهِم وَيَشـ.ـفِ صُـ.ـدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ*وَيُذهِـ.ـب غَـ.ـيظَ قُلـ.ـوبِهِم وَيَتـ.ـوبُ اللَّـهُ عَلى مَن يَشاءُ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكـ.ـيمٌ).

وقد بيّنت نصوص القـ.ـرآن الكـ.ـريم السنة النبوية فـ.ـضل الصحابة الذين شـ.ـهدوا غـ.ـزوة بدر، حيث قال الله سبحانه: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَـ.ـيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَـ.ـاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَأُخْـ.ـرَىٰ كَـ.ـافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَـ.ـيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّـهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْـ.ـرِهِ مَن يَشَـ.ـاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْـ.ـرَةً لِّأُولِي الْأَبْـ.ـصَارِ)،

كما روى البخاري في صحيحه الحديث الذي يخـ.ـاطب فيه جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما تعُـ.ـدُّون أهلَ بدرٍ فيكم؟ قال: من أفضلِ المسلـ.ـمين، أو كلمةً نحوَها، قال: وكذلك من شَهِـ.ـد بدرًا من المـ.ـلائكةِ).

دروس وعِبر من غـ.ـزوة بدر
لا بُدّ من الإشارة أوّلاً إلى أنّه لم يُؤذَن لرسول الله بالقـ.ـتال إلّا بعد صبرٍ طويل على أذى قـ.ـريش من سخـ.ـرية، وافتراء، وتآمر على قتـ.ـله، فكان لا بُدّ من القـ.ـضاء على الباطل؛ ليَتخلّص المسـ.ـلمون من أذ.اهـ.ـم، وليتمكّنوا من نشر دعـ.ـوة الإسـ.ـلام، وقد كان لهذه المعـ.ـركة الكثير من الدروس، والعِبر، ومنها:

تُعدّ الروح المعنـ.ـويّة العالية للجيـ.ـش، وسُموّ الغاية من القـ.ـتال من أهمّ الأسباب التي لها الأثر البالغ في تحقـ.ـيق النصر؛ فالعدد والعُدّة وحدهـ.ـما لا يُمكنهما ضمان ذلك. يجب على القـ.ـائد عدم إجبار جيشـ.ـه على خـ.ـوض المعـ.ـارك، بل محاورتهم، والاستـ.ـماع إليهم.

يجب على القـ.ـائد أن يتـ.ـقبّل حـ.ـرص جـ.ـنوده على حياته؛ فبقاء القـ.ـائد حيّـ.ـاً يَدعَـ.ـم نجـ.ـاح المعـ.ـركة.

يُؤيّد الله عبـ.ـاده المؤمنين في معـ.ـاركهم بجُـ.ـند من عنده، كالملائكة، والمطر.

يحـ.ـرص الداعـ.ـيـة المسلم على هـ.ـداية أعـ.ـدائه، ويُفـ.ـسح لهم المجال بذلك، وهذا ما رجاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بقبول الفـ.ـدية من الأسرى.

معلومات متفرّقة
عن غـ.ـزوة بدر سبب تسمـ.ـية غـ.ـزوة بدر بهذا الاسم
سُمِّـ.ـيت الغـ.ـزوة بهذا الاسم؛ نسبة إلى المكان الذي حصـ.ـلت فيه؛ وبدر بئر مشهورة تقع بين مكّة والمدينة،أمّا تسـ.ـمية البئر بهذا الاسم فهي تعود إلى أحد السببَـ.ـين الآتيين:

نسبة إلى البدر الذي كان يُرى فيها؛ لصـ.ـفاء مائها. نسبة إلى الرجل الذي حفت.ـرها، وسَكَن حولها، وهو بدر بن يخلد بن النضر.

عدد المسلـ.ـمين وعدد المشـ.ـركين في غـ.ـزوة بدر
كان عدد المسلـ.ـمين في غـ.ـزوة بدر 313 رجـ.ـلاً، وقيـ.ـل كان عددهم نحو 314 أو 317 رجلاً، وورد في صحيح مسلم أن عددهم كان 319 رجلاً، وكان فيهم من الأوس 61 رجلاً، ومن الخــزرج 170 رجلاً،

أما الباقي من المهاجرين،[٥٢] أما المشـ.ـركين فقد كان عددهم نحو 1000 مقـ.ـاتل

أول من استـ.ـشهد من الأنصار بغـ.ـزوة بدر
تجدر الإشارة إلى أنّ حارثة بن سراقة كان أول شـ.ـهيد ارتقى يومها رغم صـ.ـغر سنه،

ويرجع نسبه إلى ابن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غـ.ـنم بن عدي بن النجار الأنصاري، وأمه هي الربيع بنت النضـ.ـر، وعمه أنس بن مالك رضي الله عنه.

صاحب لواء المسلـ.ـمين في غـ.ـزوة بدر عندما بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتنظيم الجيش؛ أعطـ.ـى اللواء للصحابي الجليل مصعب رضي الله عنه،

وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي، كان من السبّـ.ـاقين لدخول الإسـ.ـلام، وهو من أوائل المهـ.ـاجرين مع النبي إلى المدينة، وقد قال ابن عبد البر -رحـ.ـمه الله- في كتابه الاستيعاب: “لم يختـ.ـلف أهل السير أن راية رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم أحد كانت بيد مصعب بْن عمير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى