close
أخبار العالم

“يقـ.ـولون إن سويسرا بلد حقوق الإنسان؟ فهل هي كذلك لطالبي اللجـ.ـوء أو المهاجـ.ـرين ؟؟

خرج من سوريا إلى سويسرا لحضور مؤتمر عن المجتمع المدني وتوثيق الانتهـ.ـاكات الإنسانية.

في ذلك الوقت كانت قوات النظام السوري اقـ.ـتحـ.ـمت منازل أصدقائه في منطقة “الهامة” في ريف دمشق، وورد اسمه على لسان أصدقاء معتقلين، أثناء التحـ.ـقيق معهم تحت التعـ.ـذيب.

اضطـ.ـر خلدون للبقاء في سويسرا وطلب اللجوء، وعيش تجربة صـ.ـعبة في بلد يقول “إن لا حقوق فيه لطالبي اللجوء”.

لم أخطط لتـ.ـرك سوريا ولم أختر طلب اللجـ.ـوء في سويسرا، ولم تكن رحلة لجوئي سهلة على الإطلاق.

اسمي خلدون، درست التجارة والاقتصاد في جامعة دمشق، وعملت في المجال المجتمعي بعد انطـ.ـلاق الثـ.ـورة في سوريا. تعاونت آنذاك مع منظمات عدة، محلية ودولية لتأمين حاجات المنـ.ـاطق المحررة من قبـ.ـضة النظام السوري، ومنها منطـ.ـقتي ”الهامة“.

في عام 2017 دعيت لحضور مؤتمر في سويسرا، أقامته غرفة دعم المجتمع المدني في مدينة مونترو. كان حضوري مهما فمحتوى المؤتمر والورشات على هامشه، تضمنت مواضيع كنت أعمل عليها، مثل الانتهـ.ـاكات التي يمـ.ـارسها النظام ومحاولات التغيير الديمغـ.ـرافي في البلاد وغيرها.

كانت الخطة أن أعود عقـ.ـب انتهاء الفعالية، على الرغم من معرفتي بدخول النظام إلى الهامة، وفـ.ـرض ما يسمى بالـ“مصالحة“ التي لم أوافق عليها، فأنا لم أكن فعلت ما يخـ.ـالف مبادئي ومعتقـ.ـداتي الإنسانية.

أثناء المؤتمر، جاءني خبر اقتـ.ـحام قوات النظام لمنازل أصدقائي في الهامة، واعتـ.ـقال عدد كبير من الشبان. استطاع أحدهم التواصل مع أمه وأخبرت أمي بدورها أن اسمي ورد على لسان عدد من المعـ.ـتقلين، أثناء التحـ.ـقيق معهم تحت التعـ.ـذيب، وأنه من الأفضل أن لا أعود. لم تعرف أمي أنني في سويسرا، ظنّت أني في لبنان.

لم أودعها، لم أودع أصدقائي الذين اعتقلوا أثناء سفري، ولم أتخيل أنني سأكون مجبرا على طلب اللجوء في سويسرا فبعد الدخول إليها على نحو نظامي أصبحت تحت رحمة اتفاقية دبلن.

الكامب الأمني في جنيف قبو

ذهبت إلى العاصمة جنيف. أقمت عند أحد الأصدقاء هناك. شرح لي كيفية طلب اللجوء وطلب مني ترك أشيائي الثمينة عنده. توجهت في اليوم التالي إلى مركز تقديم اللجوء (الكامب الأمني).

كان قبوا ينشّي الماء من سقفه، فيه نحو 200 شخص. بعد فحص تأشيرة الدخول على جواز السفر، قالوا إن علي التوجه إلى مركز اللجوء في العاصمة بيرن. سلمتهم الجواز وتسلمت منهم ورقة عليها صورتي ومعلومات أساسية.

الكامب الأمـ.ـني في بيرن مستشفى سابق

بناء من عشر طوابق، علمت أنه مستشفى سابق، فيه 200 شخص تقريبا، وتديره شركات أمنية خاصة، كحال غالبية مراكز اللجـ.ـوء في سويسرا. قساة لا مجال للخطأ معهم. نقلت إلى غرفة صغيرة تشبه غرفة التحـ.ـقيق، فيها جهاز كومبيوتر وطاولة.

سلموني مجموعة أوراق باللغتين العربية والانكليزية لقراءتها والتوقيع عليها. استغربوا أنني أقرأ بندأ بندأ بل وأضع خطوطا تحت بنود أريد أن أعرف عنها. بعد إتمام الأمر، قيل إنني سأبقى هناك لمدة تتراوح بين 5 أيام وثلاثة أشهر. كانت الإقامة مريحة نسبيا بالمقارنة مع مراكز أخرى عرفت عنها أو أقمت فيها فيما بعد.

لم يكن يحق لنا الخروج والدخول إلا في أوقات مخصصة، لكل منا راتب قدره 12 فرنك سويسري، لا يكفي لشراء علبة تبغ.

هناك جولات تفتيش دائمة ومفاجئة أحيانا، دفعت كثيرين للاستياء والشعور بانتهـ.ـاك الخصوصية. لم أمكث هناك طويلا، انتقلت بعد ثمانية أيام انتقلت إلى مخيم في مقاطعة جورا JURA على الحدود مع فرنسا.

جاكي ستان

المخيم بعيد من الطريق الرئيسية، داخل غابة لا مساكن حولها. وصلت إليه بعد رحلة بالقطار والباص والأقدام. كنا نحو 70 شخصا.

بدى أكثر راحة من سابقه، ولكن مشكلته كانت بالمسؤول عنه واسمه ”جاكي“ وزوجته وهي موظفة هناك وأحد أقربائه موظف أيضا. لم يحبه الناس لفـ.ـظاظته وطريقة تعامله وقـ.ـسوته، حتى أن بعضهم أسمى المكان ”جاكي سـ.ـتان“ بسبب تسلطه. أقمت هناك مع مهاجـ.ـرين من السودان وأريتريا وأفغانستان وغينيا.

قضيت الأشهر الأولى منتظرا ردا على طلب اللجوء، ازداد توتري بعد مرور ستة أشهر، وهي المدة القصوى للإقامة في المركز. بعد سنة وشهر من عزلتي المقيتة هناك ومساعدة من محامي وصلني به أحد الأصدقاء، وأخذ ورد من السلطات المسؤولة عن الهجرة (الهيئة المسؤولة عن شؤون الهجرة SEM)، جاء طلب نقلي إلى مخيم في مدينة برونتي التابعة لمقاطعة جورا JURA.

في مخيم بورينتري كنت استحم في نادي الرياضة

مدينة بورينتري Porrentruy جميلة، ولكن وضع المخيم مأسـ.ـاوي. كنا نحو 10 أشخاص. في غرفة ذات أسرة تبدو عسكرية، تشاركت الغرفة مع أربعة أشخاص، لكل اثنين خزانة وفيها ثلاجة صغيرة للجميع. إن أردت الدخول إلى الحمام الذي يحوي مرحاضا واحدا، وجب علي انتظار طابور طويل، فهو مخصص لـ50 شخصا. لذا كنت في غالب الأحيان أذهب إلى مركز رياضي مجاور كي أستحم.

لم أتعلم حرفا واحدا من اللغة الفرنسية، ولم يكن يحق لطالبي اللجوء تعلم اللغة، لذا قررت تعلمها من خلال الحديث مع المسؤول عن المركز والـ.ـحارس وبعد نحو شهرين، أصبحت أفهم وأستطيع مساعدة غيري في الترجمة.

الدراسة أمر مستحـ.ـيل لطالب اللجوء .. ولكنني فعلتها

عدم امتلاك لإقامة، وواجب تسجيل الحضور اليومي مرتين في المركز وزهد راتب طالب اللجوء، كانت معـ.ـوقات تمنع من التفكير في متابعة الدراسة الجامعية.

بالنسبة لي كان لا بد من التحرك، تقدمت لامتحانات القبول في قسم ”الميكرو ميكانيك“ في جامعة المدينة. قبلت ولم يبق سوى إقناع المركز والهيئة التي تتولى طالبي اللجوء في المقاطعة “آجام AJAM” أن يتولو دفع تكاليف التعليم، فالأمر عصي علي وكنت أشعر أنه حق إنساني لي ولغيري.

لم يقبل مسؤول المركز. طلبت موعدا مع مسؤول مكتب اللجـ.ـوء ”آجام“ وأخبرته أن إقامتي ربما تتأخر لسنوات، وعودتي إلى بلدي محال فهناك خطر على حياتي. قال إن الأمر غير ممكن.

لم أفقد الأمل، تواصلت مع المحامي الذي كان ساعدني سابقا وشرحت له الوضع واستطعت بعدها تحصيل استثناء لوضعي.

بعد سنتين من تقديم طلب اللجوء، وقبل أن أداوم في الجامعة، حصلت على حق اللجـ.ـوء السياسي. وضعي جيد ولكن لا يمكنني نسيان ما مر بي، فلا أنسى مثلا محاولات انـ.ـتحـ.ـار شهدتها أمامي بهدف تسريع طلب الحصول على الٌإقامة، حتى أني فكرت في الانـ.ـتحـ.ـار.

لا أستطيع نسـ.ـيان معاناة الحصول على موعد طبي، ووجوب إخبار متطوعين ومسؤولين في المراكز عما يصيبنا قبل أن يحددوا لنا موعدا مع الطبيب. كنا نقول “لدينا ألـ.ـم في البطن أو الرأس”، لن نخبر غرباء ما بنا.

المصدر : مهاجر نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى